على ضفاف أسيف ملول ، وتحت أنظار جبال موريق ذات الإرتفاعات الشاهقة،هناك في الأطلس الأعلى المركزي تقع قرية نائية وجميلة في الآن ذاته، فهي تجسد بالملموس التعليق القائل جمال الطبيعة وقساوة المناخ.
تلكم هي قرية أنركي المنسية، أرض سيدي علي أوحساين المرابط الحنصالي العظيم، وأحد مراكز قبيلة أيت سخمان الصامدة، والتي تشهد جبالها ووهادها وأنهارها على تاريخها العريق والموغل في القدم، ولربما حتى تقاسيم وجه أحد أبناء المنطقة تحكي الكثير من عبق التاريخ المنسي.
لعل أول ما اثارني قبل أن أزورها ؛ هي تسميتها، ولما عاينت المكان، وضعت افتراضات أولية ، ولحسن الحظ تجادبت أطراف الحديث مع بعض الشيوخ والشباب حول أصل التسمية، فحصلت على إجابات متنوعة، فأما الرواية الأولى فتقول بأن أنركي لفظة أمازيغية تم تحويرها من أنرغي والتي تعني الدفئ.
وقيل أن ساكنة انركي كانو يقطنون في أعالي الجبال ولما يصل فصل الشتاء تتساقط الثلوج فتهلك الماشية، فيرتحلون إلى جنبات الوادي نزولا ، ويقول" أنكز سأنرغي " او سنهبط إلى الدفئ، أما الرواية الثانية فتفيد بأن أنركي لفظة مشتقة من وصف يطلق على ساكنة المنطقة وهو :أيت ونا ران كينت" ومعناه، أنهم يفعلون ما يريدون دون مبالاة ولا حساب، فانتقلت التسمية من العباد إلى البلاد، وتم تحويرها لتصير انركي.
واما الرواية الثالثة فهي بعيدة عن الصواب ، فيقال أنرار ن أونبي ، نسبة إلى جود اهل المنطقة وكرمهم، وإذا استبعدنا هذه الرواية فنحن نقارنها بلفظة انركي، ولسنا ننفي صفات الجود والكرم لدى ساكنة أنركي.
تزخر قبيلة ايت سخمان بمجموعة من الاماكن السياحية الطبيعية، إلا انها تفتقد للبنيات التحتية، فأما الطرق فهي طرق لم تتغير مند عهد الإستعمار، واما المرافق فهي خالية وهي مجرد بنايات.
ولكن هذا لا يمنع من استكشاف طبيعتها الخلابة وتراثها الطبيعي الآخاذ، ولكم من" منطقة مودج بالقرب من جبل تاصميت وتيزي ن إدمران" صور لهذا الإرث الذي لطالما دعونا إلى تثتمينه واستغلاله من أجل النهوض بالسياحة الجبلية.
بجوار نهر واد العبيد، وبالضبط في الضفة اليسرى له،على الحدود بين قبيلتي ايت داود اوعلي وأيت سعيد اوعلي السخمانيتين، أسس سيدي عزيز ، أحد أبناء سيدي علي اوحساين الحنصالي دفين أنركي زاويته مند بداية القرن التاسع عشر، وبهذا إكتسى هذا المجال هوية المؤسس وعرف بها.
حيث أصبح يطلق عليه أيت سيدي عزيز كناية وتجسيدا لفعل المؤسس، فهو الذي أعطى أهمية ومكانة خاصة لهذا الركن الجغرافي، وأعاد إليه السلم بعد أن كان مرتعا للنوائب والخطوب والصراع بين أبناء العمومة السخمانيين.
هذا وتتميز هذه المنطقة بوفرة المياه وبجو ملائم؛ كما تتسم بتشكيلة تضاريسية متداخلة ما بين التلال والهضاب والجبال، لذلك تعرف" بأنلاو " على حد تعبير الساكنة.
وعلى سبيل البحث والإستقصاء ، فقد قمت بزيارة ميدانية لهذه القرية الصغيرة، وأول ما أثارني بهذه الأرض المباركة هو ضريح الولي منتصبا على تل وسط القرية كأنه يحرس حفدته ، مطلي باللون الأبيض وله قبة خضراء.
وبالرغم من أن الكتب التاريخية لم تحتفظ بأية معلومات حول أدوارهم بهذا المجال إلا أن إلقاء نظرة على أطلال زاوية سيدي عزيز ومخزن قبيلته كافية لجعلها تشي بماضي مجيد ، وتاريخ حافل لم يكتب لأحفاده التعرف عليه بعد، والملفت للإنتباه كونهم يتجنبون تقديم وثائق الزاوية للباحثين والراغبين في كشف المستور وإنتهاك حرمة المكنون والمخزون في أضابير من الوثائق التي تختزن فصولا من تاريخ الشريف الحنصالي بضفة واد العبيد وأسرته.
و على العموم وبالرغم من افتخارهم بالانتساب إليه ،إلا أنهم يجهلون حقيقة هذا الإرث، وتركوه عرضة للنهب والتخريب.
تعليقات
إرسال تعليق