هنا تاغية ن أيت بولمان، وإن كان المنظر جميلا في عموميته، إلا أن المجال توجد به منازل تبث في نفس الناظر إليها أسى، نظر لما آلت إليه الأوضاع، إذ أضحت باهتة بعد بريقها، وأنقاضها أشد تعاسة.
منازل مشيدة بمواد محلية وسواعد محلية، مهندسون لم يدرسوا الهندسة، ولا الرياضيات، بنايات متينة صامدة، وإن بنيت بالقش والتراب المدكوك، وبعض الحصى، وبشكل تقليدي.
يلفها مزيج من صمت الأهالي، وقحط الأراضي، وبدائية المشهد وعراقته، منسية كأنها الزاوية التي تعشش فيها العناكب، تاغية أشبه بلوحة تجمع كل المتناقضات، الحياة والحركة بها هادئة لدرجة أن غريبا مارا منها قد يعتقد للوهلة الأولى أنها غير مأهولة.
إذ لم يصادف نظرة من تلك النظرات الذابلة على وجه أحد شيوخ القبيلة أو أطفالها، من عتبات الأبواب وفتحات النوافذ، ولكن والحق يقال، ما أن تتصيد آذانهم صدى خطوات شخص غريب، حتى تراهم الكل يتبارى لاستضافته، كرماء كغيرهم مم السخمانيون، وإن كان بهم خصاصا.
هناك تحت أنظار إغيل، وجبال أفتيس، ووراء ظهر ونزادن، مشهد بانورامي لقرية تقليدية سخمانية، لا يستطيع المرء أن يعبر منها، دون أن يتأمل طويلا تلك البنايات المعروفة بإغرمان" أي القصور، التي ترسخ الأصالة في مجتمع تغزوه الحداثة، وبشكل مماثل لزحف الرمال بالصحراء، يحضر هنا زحف للاسمنت والخرسانة.
منظر رهيب لبنايات من عدة طوابق، أطبقت عليها السنون ثقلها، بفعل تحالف عوادي الدهر والطبيعة، من أمطار وشمس وتهميش، إذ تظهر عتبات النوافذ المستعملة للتهوية، والأبواب الخسبية الكبيرة الموصدة، والمزينة برسوم ونقوش لا تكاد تبين، والأعمدة الخشبية النحيفة، التي تبدو أخف من أن تتحمل ثقل الطين والحصى، ومعظم الإغرمان، يتوفرون على برج للمراقبة والحماية والدفاع.
على بعد كيلومترات قليلة جنوبا من مركز تاكلفت، تقع هذه الوثيقة التاريخية والمعلمة التراثية المتميزة، والتي شاهده دي سيكونزاك في رحلته الاستكشافية، الموسومة بعنوان"في قلب الأطلس" والتي استقبل فيها بالأحيدوس وذبح العتروس لشرفه وشرف زطاطه سيدي حساين ورفاقه.
تعليقات
إرسال تعليق