يعتبر " احيدوس " من بين اهم الفنون الشعبية التي يمارسها الانسان الامازيغي في المغرب خاصة الجنوب الشرقي و هو ارث ثقافي و حضاري يرجع تاريخه الى عهود قديمة .و في هذا المبحث البسيط سنحاول الاطلالة على"احيدوس" قبيلة ايت عطا خاصة في قرية النقوب. و طبعا" احيدوس" هو ميدان خصب للبحث و هذه فقط محاولة بسيطة و متواضعة للاطلالة على هذا الفن.
وكلمة «احيدوس» تعني في اللغة الأمازيغية عند البعض «الفارس الشرس»، وعند فريق آخر من الأمازيغ، عرفه الشاعر الباحث باسو جبور، وقسم الكلمة إلى شقين: ”أَحْ” “إدوس” و الكلمة الأولى تعبير عن الصبر عند الوخز المفاجئ في أحد أعضاء الجسم، أما كلمة إدوس فمعناها في لغة الجنوب الشرقي عملية الرفس، وجمعها «احيداس.
رقصة احيدوس هي أحد أهم فنون الغناء الجماعي الاستعراضي للقوميات الأمازيغية بالمملكة المغربية، تعتمد على حركات الجسد التعبيرية، على إيقاعات «البندير»– الدف-، وأنغام «التالونت»– آلة وترية شعبية-، ودقات الأكف أو التصفيق بنغمة واحدة متغيرة حسب فقرات الرقصة، ويصيح الرجال صيحات محمسة عند نهاية كل فقرة وبداية الأخرى.
ويحتفظ الراقصون بقوام الرقصة النصف دائري أو الصفين المتقابلين، وتتلاصق الأكتاف في بعض فقرات الرقصة والأيدي المتشابكة في البعض الآخر، ويصمم الرقصة ويحكم الأداء فيها رئيس الفرقة «الرايس» في لوحات متناسقة موسيقياً وحركياً، ويستعمل «الرايس» مجموعة من الإشارات التي تمكنه من ضبط المجموعة.
وتعتبر تلك الحركات والإشارات بمثابة النوتة الموسيقية، ولكل «رايس» إشاراته الخاصة، ولكل قبيلة حركاتها الفريدة التي تعبر عن أمجادها، ومهمة «الرايس» إبراز هذه الحركات خلال الرقصة، ويتفاعل الراقصون والراقصات مع هذه الحركات التي يمتثلون لها ويعرفون مغزاها تفادياً لفساد الرقص والغناء وخروجها عن الدلالات المطلوبة التي يحددها موروث أحيدوس داخل القبيلة أو الأسرة الأمازيغية.
تتكون رقصة «احيدوس» من خمس فقرات في اغلب القبائل وتختلف من منطقة لأخرى كما تطورت مع الوقت وأدخل عليها وحذف منها، لكن في العموم، الفقرة الأولى تعتمد على الإيقاع البطيء والصيحات العالية للرجال والزغاريد للنساء، لجمع الراقصين والمتفرجين من القبيلة للمشاركة.
وينضم الراقصون واحداً تلو الآخر للمشاركة خلال الرقصة، لتتسع النصف دائرة– قوام الرقصة- أو الصفين المتقابلين، ويقوم الراقصون بتشبيك الأيادي وهز الكتف ببطء خلال الرقصة ويؤدون حركات تعبيرية بالأقدام تعتمد على ركل الأرض لإصدار صوت يتقاطع مع الصيحات، أما الفقرة الثانية، فتبدأ عند اكتمال فريق الراقصين تماماً.
ويتم خلالها المنازلة لإظهار الاحترافية في أداء الحركات التعبيرية لتراث القبيلة، وتتسارع خلالها النغمات والإيقاعات، كما يسرع الراقصون من حركات الأكتاف والأقدام والركلات للأرض، ويغني الرجال خلف «الرايس» أغنية تعتمد في كلماتها على أشعار نظمها شيوخ وفرسان القبيلة منذ زمن طويل، حول بطولات الفرسان وتاريخ القبيلة ونسبها وفترة الترحال والاستيطان.
ولكل بيت من أبيات القصيدة نغمة، ولكل نغمة حركاتها التعبيرية المميزة لها، وتنتهي الفقرة الثانية بنهاية القصيدة، ثم تبدأ الفقرة الثالثة بصيحات الرجال وزغاريد النساء، وتتميز الفقرة الثالثة بالاعتماد كلياً على إيقاعات الدف، ويجلس الراقصون في وضع «القرفصاء» والتصفيق بنغمة واحدة تتماشى مع إيقاع الدف، ويصيح الرجال صيحات متناغمة تعبيراً عن القوة وفرحة النصر وتحرير النساء من قبضة الأعداء.
في حين يقوم قائد الفرقة «الرايس» باختيار إحدى الراقصات وتكون غالباً أمهرهن في الرقص، لتنازله وسط الراقصين، في تأدية حركات معينة تجسد أهم بطولات وانتصارات القبيلة، وترمز لمعارك بعينها وفرسان بالاسم، وبعد الانتهاء من تأدية الرقصة، تبدأ الفقرة الرابعة كما بدأت الفقرة الثانية، بتشكيل نصف الدائرة أو الصفين، وتأدية الحركات بالأرجل، وغناء القصائد الملحمية، لكن يضاف على هذه الفقرة العنصر النسائي في الغناء.
فيما يقتصر دور الرجال في الترديد ككورال، والصياح بين كل بيت من أبيات القصيدة وتتحدث أغلب قصائد الفقرة الرابعة عن صون العرض والأرض وكيف قامت القبيلة بالحفاظ عليهما طوال تاريخها، وتبدأ الفقرة الخامسة والأخيرة بمرحلة سرد التاريخ الاقتصادي للقبيلة، كنوع من العرفان والشكر لله وللطبيعة التي منحتهم الخير، فيؤدي الرجال في بداية الفقرة حركات ترمز للفروسية واستخدام السلاح «السيف والبندقية».
والدفاع عن الأرض وتحرير السبايا من النساء من قبضة العدو، ثم يجسد الرجال بعد ذلك حركات ترمز للرعي والزراعة والصيد، في حركات تتماشى مع كلمات القصيدة المغناة عن تاريخ القبيلة الاقتصادي، فيما تؤدي النساء دور السبايا المحررات من قبضة العدو، ودور حلب الإبل والغنم والحرف اليدوية من غزل ونسيج وصناعة السجاد والمصنوعات الجلدية اليدوية.
وغيرها من طقوس مشاركة المرأة في الحياة اليومية داخل القبيلة ودورها المهم خلال تاريخها، وتنتهي الفقرة الخامسة والرقصة كلها بالصلاة على النبي «صلى الله عليه وسلم»، والشكر لله على النعمة والدعاء بطول عمر شيوخ القبيلة وفرسانها ورجالها الصالحين، والأجزاء الرابعة والخامسة مستحدثة، لم تكن في بدايات أحيدوس، كما أنها موجودة في بعض القبائل فقط في الأطلس المتوسط.
إن فن «احيدوس» فن أمازيغي أصيل، توارثته الأجيال وحرصت على بقائه، ويتوفر المغرب على أكثر من 80 فرقة تؤدي استعراضات «احيدوس»، وتسرد الفرق تاريخ قبائلها في الاحتفالات العامة والمناسبات الوطنية والمهرجانات الثقافية والفنية البالغ عددها سبعة مهرجانات دولية سنوية تقام في المغرب، وتؤدي فرق «احيدوس» استعراضاتها وسط الجماهير المغربية والعالمية.
وحصلت أغلب الفرق على جوائز عالمية في الفنون الاستعراضية داخل المغرب، كما شاركت العديد من فرق «احيدوس» في محافل دولية وحصلت على جوائز عديدة، وهذه الفرق ساعدت في نشر فن «احيدوس» جماهيريا، وساهمت في تعريف أهل المغرب بتاريخ القبائل الأمازيغية الأصيلة الموجودة في مختلف أرجاء المملكة، وتدعم الدولة متمثلة في وزارة الثقافة، الفرق الشعبية من بينها فرق «احيدوس» لما لها من دور مهم في نشر وتخليد الفنون المغربية الأصيلة.
تعليقات
إرسال تعليق